سورة الزمر - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}
{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} {تَنزِيلُ} مبتدأ وخبره: {مِنَ الله} أو خبره ابتداء مضمر تقديره: ها تنزيل، و{مِنَ الله} على هذا الوجه يتعلق بتنزيل، أو يكون خبراً بعد خبر أو خبر مبتدأ آخر محذوف، والكتاب هنا القرآن أو السورة واختار ابن عطية أن يراد به جنس الكتب المنزلة وأما الكتاب الثاني فهو القرآن باتفاق {بالحق} يحتمل معنيين أحدهما أن يكون معناه متضمناً الحق، والثاني أن يكون معناه بالاستحقاق والوجوب {مُخْلِصاً لَّهُ الدين} قيل: معناه من حق ومن واجبه أن يكون له الدين الخالص، ويحتمل أن يكون معناه: إن الدين الخالص هو دين الله وهو الإسلام، الذي شرعه لعباده ولا يقبل غيره، معنى الخالص: الصافي من شوائب الشرك، وقال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله، وقال الحسن: هو الإسلام وهذا أرجح لعمومه.


{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}
{والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} يريد بالأولياء الشركاء المعبودين، ويحتمل أن يريد بالذين اتخذوا الكفار العابدين لهم، أو الشركاء المعبودين، والأول أظهر؛ لأنه يحتاج على الثاني إلى حذف الضمير العائد على الذين تقديره: الذين اتخذوهم، ويكون ضمير الفاعل في اتخذوا عائداً على غير مذكور، وارتفاع الذين على الوجهين بالابتداء وخبره إما قوله: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أو المحذوف المقدر قبل قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ} لأن تقديره: يقولون ما نعبدهم. والأول أرجح؛ لأ، المعنى به أكمل {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} هذه الجملة في موضع معمول قول محذوف، والقول في موضع الحال أو في موضع بدل من صلة الذين، وقرأ ابن مسعود: قالوا ما نعبدهم بإظهار القول أي يقول الكفار: ما نعبد هؤلاء الآلهة إلا ليقربونا إلى الله ويشفعوا لنا عنده، ويعني بذلك الكفار الذين عبدوا الملائكة، أو الذين عبدوا الأصنام، أو الذين عبدوا عيسى أو عزير، فإن جميعهم قالوا هذه المقالة. معنى زلفى: قربى فهو مصدر من يقربونا {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} إشارة إلى كذبهم في قولهم: ليقربونا إلى الله وقوله: لا يهدي في تأويله وجهان: أحدهما لا يهديه في حال كفره والثاني أن ذلك مختصّ بمن قضى عليه بالموت على الكفر، أعاذنا الله من ذلك. وهذا تأويل: لا يهدي القوم الظالمين والكافرين حيثما وقع.


{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} الولد يكون على وجهين: أحدهما بالولادة الحقيقية وهذا محال على الله تعالى؛ لا يجوز في العقل والثاني التبني بمعنى الاختصاص والتقريب، كما يتخذ الإنسان ولد غيره ولداً لإفراط محبته له، وذلك ممتنع على الله بإخبار الشرع فإن قوله: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم: 92] يعم نفي الوجهين، فمعنى الآية على ما أشار إليه ابن عطية: لو أراد الله أن يتخذ ولداً على وجه التبني لاصطفى لذلك مما يخلق من موجوداته ومخلوقاته، ولكنه لم يرد ذلك ولا فعله، وقال الزمخشري: معناه لو أراد الله اتخاذ الولد لا متنع ذلك، ولكنه يصطفي من عباده من يشاء على وجه الاختصاص والتقريب، لا على وجه اتخاذه ولداً، فاصطفى الملائكة وشرفهم بالتقريب، فحسب الكفار أنه أولاده، ثم زادوا على ذلك أن جعلوهم إناثاً، فأفرطوا في الكفر والكذب على الله وملائكته.
{سُبْحَانَهُ هُوَ الله الواحد القهار} نزه تعالى نفسه من اتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد؛ لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد لأنه لو كان له ولد لكان من جنسه، ولا جنس له لأنه واحد، ووصف نفسه بالقهار؛ ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكاً له؟ ثم أتبع ذلك بما ذكره من خلقه السموات والأرض وما بينهما، ليدل على وحدانيته وقدرته وعظمته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8